الطائفة اليهودية في البلاد العربية
يعود وجود الطائفة اليهودية في الدول العربية الى القرن السادس قبل الميلاد ، و منذ ذلك الحين كان اليهود في تلك الدول رغم قلة أعدادهم ، جزءاً متمماً لسكان البلاد ، امتزجوا في حياة البلاد العامــة ، و عاداته و تقاليده ، و لم تتوفر الظروف المشابهة لليهود في الوطن العربي في الحضارات الأخرى التي عاشوا بها ، فلم تكن الفيتوات موجودة للتجمعات اليهودية في الدول العربية . و على الرغم من ذلك حاولت اسرائيل و أصحاب القرار فيها منذ عام 1948 أن تشوه صورة أوضاع اليهود في الدول العربية ، هذا فضلاً عن الحملات المتكررة من الدعاية و الإعلام الصهيوني الموجه لحمل اليهود في الدول العربية للهجرة الى فلسطين المحتلة ، و ذلك بغية وصول الحركة الصهيونية و إسرائيل الى أهدافها الديموغرافية ، الرامية الى تجميع أكبر عدد ممكن من اليهود في فلسطين لتحقيق المادة البشرية للمشروع الصهيوني برمته . في هذه الدراسة محاولة لتوضيح أوضاع الطائفة اليهودية في الوطن العربي، و لا يعد ذلك تسليط الضوء عليها ، ليس بكونها خارج النسيج الاجتماعي العربي في كل دولة عربية ، بل لإظهار مؤشرات أساسية ، بعد أن استطاعت اسرائيل جذب غالبية يهود العرب التي غررت بهم الدعاية الصهيونية خاصة خلال السنوات الأولى من إنشائها .
أصول اليهود في الدول العربية
يعود وجود الطائفة اليهودية في المنطقة العربية الى موجات متتالية ، بدأت بالمستوطنين الأوائل منذ القرن السادس قبل الميلاد (النفي البابلي) ثم موجة أتت بعد سقوط القدس (القرن الأول الميلادي) و هاجرت هذه الجماعات شرقاً نحو العراق أو جنوباً نحو الجزيرة العربية ـو جنوب غرب مصر ، و تسربت أعداد منها الى شمال أفريقية ، و قد امتزجت بأهل البلاد الأصليين و تكلمت لغتهم و أطلق بعضهم على أفرداها اسم المستعمرين ، و هم أقدم الطوائف اليهودية المقيمة في المنطقة (1) .
إلا أن الموجة الكبرى هي التي أتت بعد خروج اليهود الجماعي من اسبانيا ، على أثر انهيار الحكم العربي، و انتشر من سموا (سفارديم) الناطقين بلغة Ladino (لهجة اسبانية عبرية) ، في كل مكان على سواحل المتوسط من مراكش حتى آسية الصغرى ، و نزل بعضهم في اليونان و إيطاليـا ، و حتى شمال غرب أوروبا ، و كانوا يختلفون عن غيرهم من المجموعات الشرقية من الناحية العرقية . و حتى في بعض الأمور الدينية ، و ليس يهود اليمن و العراق أو إيران أو أفغانستان هم سفارديم(2).
و كان قد أتى عدد من اليهود الإيطاليين الى الجزائر و استوطنوا في ليبيا و الجزائر في القرن السابع عشر ، و كلا المجموعتين من أصول إسبانية سفاردينية ، و مختلفة من عدة وجوه عن المستوطنين اليهود القدامى ، إذا كانوا أكثر عنى و ثقافة . و في القرون التالية أصبح الفرق بين اليهود السفارديم و اليهود الشرقيين أقل وضوحاً إلا أنه لم يختف بشكل كالم .
لا يمكن حصر اليهود في الدول العربية بشكل دقيق خاصة قبل عام 1948 ، بسبب ضعف الوعي الاحصائي العربي أساساً ، و عدم وجود التمايز الطائفي أساساً ، فضلاً عن عدم القيام بمسوح و تعدادات سكانية عامة في كافة الدول العربية قبل عام 1948 . إلا أن هناك تقديرات مختلفة لمجموع اليهود في الوطن العربي في عام 1946 ، قدرتهم احصاءات الوكالة اليهودية بنحو (800) ألف يهودي ، يشكلون نحو (5-6) في المائة من اجمالي عدد اليهود في العالم في العام المذكـــور و المقدر بنحو (16-17) مليوناً (3) .
و من بين مجموع اليهود في الوطن العربي في العام 1946 ، نحو (16-18( ألفاً في سـورية و لبنان ، و (120-130) ألفاً في العراق ، و في اليمن و عدن (45-50) ألفاً ، و مصر (70-80) ألفاً ، في حين عاش في تونس (70-80) يهودي ، و الجزائر (120) ألفاً ، و مراكش الفرنسية (170-190) ألفاً ، و مراكش الاسبانية و طنجة (30) ألفاً ، و في مناطق أخرى (حضرموت)، البحرين،السودان الخ ، كان يوجد في عام 1946 نحو ثلاثة آلاف يهودي .
و هناك مصادر أخرى قامت بتقديرات أعداد اليهود في الوطن العربي (انظر الجدول رقم 1 بالملحق) و أوضحت أن هناك ثمة فروق قليلة عن الأرقام التي أشرنا إليها سابقاً ، و على سبيل لا الحصر ، أشارت الوكالة اليهودية الى أن عدد اليهود في سورية كان (16-18) ألفاً ، في حين يوضح الجدول أن عدد اليهود في سورية لم يتعد 6000 يهودي في عام 1950 ، و في لبنان (6700) يهودي ، في حين وصلت أرقام اليهود الى 225 ألفا في مراكش الفرنسية ، على عكس تقديرات الوكالة اليهودية التي قدرت الأرقام بنحو (190) ألفاً في عام 1946 ، و قد أغفلت الوكالة اليهودية بعض التجمعات اليهودية في الدول العربية مثل ليبيا التي وصل عدد اليهود فيها الى نحو (14000) يهودي في عام 1950 (كما هو موضح في الجدول رقم 1 بالملحق) . و مع إنشاء اسرائيل تغيرت و تراجعت أرقام مجموع اليهود في الدول العربية ، نتيجة قدرة الحركة الصهيونيــة و اسرائيل، بتهيئة الظروف الجاذبة باتجاه فلسطين المحتلة ، خاصة الشعارات اليهودية ، على أن فلسطين هي أرض الميعاد ، و هي جنة الدنيا بالنسبة لهم .
و عندما فشلت جهد أصحاب القرار في اسرائيل في جذب مهاجرين يهود من أمريكة ، قامت الحركة الصهيونية بتحويل الأنظار الى مناطق تجمع اليهود في العالم ، مثل الوطن العــربي ، و بعض دول الشرق الأوسط ، و عن طريق الاعلام اليهودي ، و غرس الخوف من الاضهاط "الوشيك" و أساليب الدعاية الأخرى ، يمكن وكلاء الصهيونية من تحطيم الوجود الأمني الذي يتمتع به اليهود في إطار تجمعاتهم الأصلية في الدول العربية منذ آلاف السنين ، و تم خروج (700) ألف يهودي من الدول العربية ، لم يذهبوا جميعاً الى اسرائيل ، إذ أن بعضهم قد عاد الى بلاده ، و بعضهم حصل على تأشيرات الى كندة و الولايات المتحدة ، و أمريكا اللاتينية (4) .
و تبعاً لجذب آلاف اليهود العرب باتجاه فلسطين المحتلة بعد إنشاء اسرائيل في عام 1948 ، شكل يهود الدول العربية في اسرائيل جزءاً من المجتمع الاسرائيلي الذي ينقسم الى أربع مجموعات : الأشكناز الناطقين بالبديش من أوروبا ، و السفارديم الناطقين باللادينو من البلقان و الشرق الأدنى ، و اليهود الناطقين بالعربية الموجودين في كل بلد عربي من اليمن حتى الجزائر ، و عدد من أعضاء جماعات يهودية متعددة ، لكن الملاحظ أن أصحاب القرار في الدولة العبرية ، يعتبرون أن حماة الدولة و بناتها الأصليين هم الأشكناز ، أصحاب الأفكار الصهيونية ، التي استغلت العلاقات مع الدول الغربية ذات النفوذ العالمي ، و تم إنشاء اسرائيل في أيار 1948 في ظروف إقليمية و دولية استثنائية ، و كانت السنوات العشر الأولى من إنشاء اسرائيل ، الأهم في جذب اليهود من العالم ، حيث ساهمت الهجرة اليهودية بأكثر من نحو (65) في المائة من إجمالي الزيادة السكانية اليهودية في فلسطين خلال الفترة (1948-1958) ، و قد لعبت عملية جذب نحو (150-200) ألف يهودي عراقي في الخمسينات دوراً بارزاً في ذلك .