التعلّم
لقد حار العلماء عبر العصور في التعلّم وكيف تجري عمليّته ,وتبعوا في تعليل هذه العمليية مذاهب شتّى أبطل العلم الحديث بعضها وأقرّ البعض الآخر وقصدنا في هذا القسم من الفصل أن نتناول الكلام عن أهمّ نظريات التعلّم, وقد بني كلّ منها على تجارب علمية أجري بعضها على الإنسان وبعضها على الحيوان , ولعلّ أفضل وسيلة لشرح هذه النظريات وصف طائفة من التجارب التي أدّت إلى اقرارها .
1 – نظرية التعلّم بتداعي الأفكار:
إنّ هذه النظرية قديمة وحديثة في وقت واحد , فهي قديمة على اعتبارها أنّ جذورها متأصّلة في آراء أرسطو , وهي حديثة على اعتبارها أنّ هذه الجذور تناولتها يد التجارب العلميّة منذ مطلع القرن الحالي فأثبتت صحّتها إلى حدّ ما بعيد .
وكان من رأي أرسطو أنّ الإنسان يسهل عليه تذكّر الأشياء إذا تداعت في ذهنه هذه الأشياء,أي دعا بعضها بعضا, وهي تتداعى إذا كان بينها تقارب تقارب الإبرة والخيط , أو تتابع كتتابع الليل والنهار , أو تماثل كتماثل الإبرة والدبوس, أو تخالف كتخالف النعومة والخشونة , ومعنى ذلك أنّ الإنسان إذا ذكر أحد هذين الشيئين تبادر الى ذهنه الشيئ الآخر , وقد اتبع أرسطو في رأيه هذا كثيرون من علماء العصر الحديث- كجان لوك و توماس براون- ويوحنا هربرت الذي شرح هذا الرأي شرحا مستفيضا وكوّن منه نظريته التي بنيت على التمهيد قصد ايقاظ الإهتمام أو الإختبارات القديمة التي تشوّقهم إلى تلقّي الدرس الجديد وخطواته : تمهيد السبيل – فالإستعراض – فالتعميم. هذه هي نظرية التعلم بتداعي الأفكار التي وضع أسسها أرسطو وشاد صرحها هربرت وأخصعها قورندايل للتجارب العلمية وأثبت ما فيها من صحّة .
من هذه التجارب مايسمىبتداعي الكلمات المطلق حيث يقول المختبر كلمة ما ويطلب إلى المختبر أن يردّ عليها بأوّل كلمات تتبادر إلى ذهنه , ومنها مايسمى بتداعي الكلمات المقيدحيث يقول المختبر كلمة ومن المختبر مرادفتها أو تكون على وزنها . ولعلّ أهم ما أثبتته هذه التجارب أنّ من العوامل الفعّالة في الحفظ وتداعي الأفكار أن يرتبط الجزء بالكلّ في ذهن المتعلم وأنّ الطرق الكلية أو الإجمالية على العموم أفضل من الطرق الجزئية .
2 – نظرية التعلم بالمقارنة:
تنطوي هذه النظرية على شيئ من التداعي إلا أنه تداعي بين المحركات والردود لا بين الألفاظ و الأفكار بوجه عام .
وقد بنيت هذه النظرية على تجارب علمية أجري بعضها على الإنسان والبعض الآخر على الحيوان والذي حمل علماء النفس على دراسة التعلم عند الحيوانمنذ مطلع هذا القرن أمران جوهريان , الأول تأثرهم بنظرية داروين في النشور والإرتقاء واعتقادهم المبني على التجارب العلمية بوجود تماثل بينه وبين التعلم عند الأنسان، وأن يكون تعلم الإنسان أرقى من تعلم الحيوان بدرجات ، والأمر الثاني أنّ عملية التعلم عند الحيوانأشد بساطة وأسهل عند الإنسان ، والتجارب التي بنبت عليها نظرية التعلم بالمقارنة أجراها في أول الأمر بافلوفتم واطسنوهذامزيد ا لبعض تجاربهما . حين كان بافلوف يجري بعض التجارب على الكلاب ، لاحظ أنّ الكلب يتحفز للأكل ليس عند مشاهدة الطعام فحسب بل عند مشاهدة الصحن الذي يقدم فيه الطعام أو الشخص الذي اعتاد يقدم له الطعام أو عند سماع أقدام ذلك الشخص في الغرفة المجاورة ، فاستنتج أنّ الحيوان استطاع أن يقارن المحرك الطبيعي وهو رؤية الطعام والمحرك غير الطبيعي وهو مشاهدة الشخص الذي اعتاد أ، يقدمه اليه ، ومعنى ذلك أنه تعلم أن يرد على المحرك غير الطبيعي كما يرد على المحرك الطبيعي ، ثم واصل دراسته وتجاربه بعد اختراع طريقة قياس سيل اللّعاب ، وبعد ذلك لاحظ بأنّ الكلب يتعلم بالمقارنة بعد حوالي 20سنة أجرى واطسنتجارب مماثلة ليختبر مدى صحة هذه النظرية فيما يتعلق بالإنفعالات النفسية ، وأجرى تجربته على رضيع يقارب عمره سنة واحدة ليرى هل يستطيع أن لعملية الخوف من فأرة بيضاء بعد أن كان الطفل قد ألفها وقد خلص الى أنّ الداعي الذي كان يسببه الصوت القويّ وهو المحرك الطبيعي ، صارت تسببه الفأرة البيضاء وهي المحرك غير الطبيعي . وقد شملت العملية حتى الكبار غير أنهم وجدوا بأنّ التعلم بالمقارنة عند الصغار أسهل .
3 – نظرية التعلم بالتجربة وحذف الخطأ:
وهذه ثالث النظريات والتجارب التي بنيت عليها بعضها أجري على الحيوان والبعض الآخر على الإنسان والتجارب التي أجريت على الحيوان كالجرذان والهررة والفراخ ونستعمل فيها الأقفاص والدهاليز وغير ذلك من الوسائل والمقاييس الحديثة ، أما عند الإنسان فأشهرها التجربة التي بامكان كل واحد منا يختبرها بنفسه
