مـمـارسـة الـحـق الـنـقـابـي داخـل الـمـؤسـسة .
إذا كانت الغاية من إنشاء المنظمات النقابية هو الدفاع عن المصالح المادية و المعنوية للعمال، فإن تحقيق ذلك الهدف يفترض تواجد تلك المنظمات في أماكن العمل، و الؤسسة هي الميدان الوحيد الذي يتواجد فيه العمال- و الذي أسست النقابة للدفاع عن مصالحه- و صاحب العمل، أي توجد به مصلحتين متعارضتين، يحاول المستخدم دائما تغليب مصلحته على مصلحة العامل (الطرف الضعيف في العقد) .
لكل ذلك ، و لتمثيل أفضل للعمال عن طريق التعرف على ظروف عملهم بصفة عامة سمح المشرع للمنظمات النقابية إنشاء هياكل نقابية و تعيين مندوبين نقابيين، فهل يمكن لأي منظمة نقابية أن تنشئ تلك الهياكل، أم أن هذه الأخيرة من إختصاص نوع خاص من المنظمات؟ في هذه الحالة ماهي الشروط الواجب توافرها حتى ينشئ الهيكل النقابي و يتم تعيين المندوبين النقابيين؟ و ما هي صلاحيات كل واحد منهما ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات نتطرق في مطلب أول إلى الهياكل النقابية و في مطلب ثان إلى المندوبين النقابيين :
المطلب الأول : الأحكام المتعلقة بالهياكل النقابية .
طبقا للمادة 40 من القانون 90/14 فإنه "يمكن لأي منظمة نقابية تمثيلية حسب مفهوم المادتين 34
و 35 من هذا القانون أن تنشىء هيكلا نقابيا طبقا لقانونها الأساسي لضمان تمثيل المصالح المادية
و المعنوية لأعضائها في أي مؤسسة عمومية أو خاصة، و في أماكن عملهم المتميزة إذا كانت لها أماكن عمل أو أي مؤسسة أو هيئة أو إدارة عمومية" .
من خلال هذا النص يتضح لنا أن المشرع الجزائري يعترف بممارسة الحق النقابي في كل المؤسسات سواء كانت عمومية أو خاصة ، و ذلك في إطار إحترام الحقوق و الحريات المقررة قانونا لضمان تمثيل المصالح المادية و المعنوية لأعضاء النقابة ، فروح القانون هنا لا تهدف إلى خلق نقابة جديدة داخل المؤسسة أو الفرع و إنما إلى تمديد جذور النقابة إلى أعماق المؤسسة فتصبح مشكلة و ممثلة على مستوى كل فرع منها و حتى في أماكن العمل المتميزة، و لذلك يعتبر هذا الهيكل النقابي تجمع فعلي .
في الواقع فإن توافر الهيكل النقابي في المؤسسة ضروري في أغلب الأحيان إذ وحده فقط يبرر تعيين المندوبين النقابيين، و ترتكز عليه الحريات النقابية المقررة قانونا كالحرية في التعبير (1) .
ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسة يجب أن يكون في إطار الشروط القانونية لا سيما تلك المتعلقة بتأسيس الهياكل النقابية، ففي ماذا تتمثل تلك الشروط و هل صلاحيات الهيكل النقابي تختلف عن صلاحيات المنظمة النقابية المنبثق عنها ؟ .
الفرع الأول : شروط تأسيس الهيكل النقابي .
تشجيعا لإنشاء الهياكل النقابية داخل المؤسسات فإن الشروط الواجب توافرها خفضت إلى أقصى حد إذ لم ينص المشرع على أي شرط شكلي، و إكتفى ببعض الشروط الموضوعية التي بتواجدها يكون الهيكل مؤسس قانونا .
أولا : الشروط الموضوعية .
بقراءة نص المادة 40 المذكور سلفا يتجلى لنا أن الشروط الموضوعية الواجب توافرها لإنشاء هيكل نقابي هي كون المنظمة النقابية تمثيلية و كون المؤسسة عمومية أو خاصة و حتى في أماكن العمل المتميزة و ذلك بغض النظر عن عدد العمال الذين يعملون بها .
1- شرط التمثيلية:
إنشاء هيكل نقابي هو إمتياز ممنوح فقط للمنظمات النقابية التمثيلية دون غيرها و المقصود بالمنظمات النقابية التمثيلية هنا، كما سبقت الإشارة إليه، كل المنظمات النقابية للعمال الأجراء المستخدمين المكونة قانونا منذ 6 أشهر على الأقل، و التي تضم 20 % على الأقل من العدد الكلي للعمال الأجراء أو لتلك التي لها تمثيل 20 % على الأقل من العدد الكلي للعمال الأجراء أو لتلك التي لها تمثيل 20 % على الأقل في لجنة المشاركة. كما تعتبر تمثيلية كذلك على الصعيد البلدي والمشترك
بين الولايات ، أو الوطني ال إتحادات و ال إتحاديات أو ال كنفدراليات ل لعمال الأجراء التي تضم 20 % على الأقل من المنظمات النقابية التمثيلية التي تشملها القوانين الأساسية للإتحادات المذكورة .
ـــــــــ
(1) أنظر ص 573 من مرجع DALLOZ السالف الذكر .
2 – الشروط المتعلقة بالمؤسسة :
إن الهيكل النقابي ينشئ في أية مؤسسة بغض النظر عن طبيعة نشاطها: سواء كانت تجارية، فلاحية أو صناعية... و بغض النظر عن طبيعتها القانونية : شركة تجارية، مدنية أ و تجمع صناعي، مؤسسات عمومية...
و إضافة إلى كون ممارسة الحق النقابي يكون داخل المؤسسة ، فإن المشرع مدد ممارسة هذا الحق حتى داخل أماكن العمل المتميزة، فمادا يعني بهذه الأخيرة ؟
إن التشريع الجزائري ، كغيره من التشريعات الأخرى لم يتطرق إلى تعريف مكان العمل المتميز لكن الفقه الفرنسي حاول ذلك معتبرا إياه تجمع ا للوسائل المادية و الغير المادية لغرض الوصول، عن طريق نشاط مستمر ، إلى تحقيق هدف ذو طبيعة تقنية، و هناك من عرفه بأنه المكان الذي تمارس فيه سلطة إبرام العقود و التسريح عن العمل مع إمكانية توقيع الوثائق ، و لقد ذهب البعض إلى إعتباره هيئة تقنية للإنتاج بينما المؤسسة هي هيئة إقتصادية له (2) إن هذا المفهوم جد واسع إذ لم يضع معيار محدد لتعريف مكان العمل المتميز.
و بإعتبار الفقه لم يستطع وضع تعريفا شاملا واضحا لمكان العمل المتميز فإننا نحاول اللجوء إلى وجهات نظر القضاء .
و نظرا لكون الإجتهاد القضائي الجزائري لم يتناول هذه المسألة فإننا نتطرق إلى الإجتهاد القضائي الفرنسي الذي حاول أن يعطي عدة معايير للتعرف على مكان العمل المتميز.
ففي قرارها الصادر بتاريخ 09/05/1989 فإن محكمة النقض الفرنسية ذهبت إلى أنه يجب على القضاة، لتعيين المندوبين النقابيين في أماكن العمل المتميزة أن يأخذوا بعين الإعتبار لتحديد هذه الأخيرة: ظروف العمل، أهمية عدد العمال و إستقلالية المكان بالنسبة للمؤسسة (3) .
و في قرار آخر ذهبت إلى أنه يمكن أن يعتبر كمكان عمل متميز لتعيين المندوبين النقابيين الورشات المتواجدة خارج المؤسسة و التي تتمتع بنوع من الإستقرار و كون أغلبية عمالها مرتبطين معها بعقود عمل غير محددة المدة،
و كون مسؤولي تلك المؤسسات يتمتعون بسلطات واسعة، و ذلك بكون الأجور تحدد هنا من قبل المديرية العامة (4) .
ـــــــــ
(2) أنظر صفحة 301 من المرجع Droit du travail 2 édition Brun et Henri gallaud et Andrel
(3) أنظر ص 175 من المرجع : le droit syndical édition force ouvrière .
(4)قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 06/07/83.
أبعد من ذلك فإن محكمة النقض الفرنسية ذهبت إلى أن مكان العمل المتميز مفهوم متغير بحسب المنظمة-التي تسعى سواء إلى تعيين المندوبين النقابيين أو لإنتخاب لجان المشاركة أو ممثلي العمال- إذ لا يجب الأخذ بعين الإعتبار لتعيين المندوبين النقابيين الأحكام المتعلقة بإنتخاب ممثلي العمال أو لجان المشاركة، فما يجب الأخذ به هو الدور الذي يؤديه المندوب النقابي (5) .
و بالرغم من صعوبة تحديد مفهوم مكان العمل المتميز، فإن الإجتهاد القضائي الفرنسي عرفه بكونه عبارة عن هيئة تقنية للإنتاج لها ميزانية مادية مستقلة عن المؤسسة و لكنها تابعة لها (6) .
من خلال هذا التعريف فإنه يمكن إستخراج معيارين للقول ما إذا كان مكان العمل متميز أم لا ، يتمثلان في: الإستقلالية من جهة و عدم الإستقلالية أو التبعية من جهة أخرى .
أ- معيار الاستقلالية :
من الناحية العضوية : الأمر متعلق بتجمع دائم لأدوات العمل و المال و ذلك في مكان معين.
من الناحية الوظيفية: إن مكان العمل المتميز له إطار عمل خاص به و يستطيع الإعتماد على
نفسه في التسيير .
ب- معيار التبعية :
من الناحية القانونية: إن مكان العمل المتميز ليس له شخصية معنوية .
من الناحية الإقتصادية: حتى و لو كان لمكان العمل المتميز ميزانية خاصة ، فإن ذلك لا يعني إستقلالية تامة عن المؤسسة إذ ميزانيته المتحصل عليها تدمج بميزانية المؤسسة .
3- غياب شرط عدد العمال :
كل مؤسسة مهما كان عدد عمالها ضئيلا أو كثيرا فإن المنظمة النقابية التمثيلية تستطيع إنشاء هيكل نقابي فيها، إذ أن المشرع لم يضع حد أدني للعمال يجب توافره في المؤسسة حتى يمكن تأسيس هيكل نقابي بداخله ا .
ملاحظة : إن شرط وجوب توافر عدد 20 عامل أجير و المنصوص عليه في المادة 41 من القانون رقم 90/14 يتعلق بالمندوبين النقابيين و ليس بالهيكل النقابي .
ـــــــــ
(5)قرار صادر عن محكمة النقص الفرنسية بتاريخ 16/01/85 .
(6)أنظر ص 175 من المرجع السالف الذكر .
ثانيا : الشروط الشكلية .
طبقا لنص المادة 40 من قانون 90/14 فإنه يمكن لأي منظمة نقابية تمثيلية أن تنشيء هيكلا نقابيا.
إن تأسيس الهيكل النقابي لا يخضع لأي شرط شكلي، إذ من الناحية القانونية تعتبر المنظمة النقابية التي تريد إنشاء الهيكل النقابي حرة في إعلام المستخدم أو غيره بذلك، إذ أن المشرع لم يلزمها بأي شكل من أشكال التبليغ كما فعل بالنسبة للمندوبين النقابيين ، فما هي إذن المعايير التي تسمح بإثبات وجوده ؟ خاصة و أن مشكلة الإثبات تطرح في الغالب عند تعيين المندوبين النقابيين و تبليغ أسمائهم لصاحب العمل .
فحتى يكون التعيين ساري المفعول يجب أن يكون الهيكل النقابي مؤسس ا فعلا .
إن إثبات تأسيس الهيكل النقابي- و الذي يقع على عاتق المدعي بإنشاء أي نقابة -يمكن أن يكون بكافة الطرق .
في هذا الإطار ، فإن الإجتهاد القضائي الفرنسي ذهب إلى إعتبار أن الهيكل النقابي مؤسس قانونا إذا تبين تواجد عمال أجراء في المؤسسة إنضموا إلى المنظمة النقابية التي تدعي بتأسيس الهيكل النقابي أو إعتباره في إطار التأسيس و ذلك إذا عبر هؤلاء عن رغبتهم في التجمع لممارسة نشاط نقابي في المؤسسة (7) و ذلك بغض النظر عن عددهم، على ألا يقل عن إ ث نين، و عن طبيعة أو أهمية النشاط الذي يمارسونه ، لكن تعيين مندوب نقابي لا ينطوي في حذ ذاته على تأسيس الهيكل النقابي ، إذ إنشاء هذا الأخير يأتي بعد تعيين المندوبين النقابيين و ليس قبلهم .
و مع إنعدام أي نص قانوني يشير إلى وجوب توافر أي شرط شكلي لإثبات إنشاء الهيكل النقابي، و في إنتظار تشكيل إجتهاد قضائي وطني لتوضيح الصورة أكثر، فإننا نعتقد أنه كان من الأفضل على المشرع أن يقيد تأسيس الهياكل النقابية بشرط شكلي: كشرط إعلام المستخدم مثلا أو شرط الإشهار ، و ذلك تفاديا لأي نزاعات حول مسألة الإنشاء طالما أن عملية الإثبات حتى و لو كانت بكافة الطرق فإنها صعبة إن لم نقل مستحيلة .
ـــــــــ
7)قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 27/06/90 أنظر ص 164 من المرجع السالف الذكر
([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قرار منشور م . ق . ع الأول لسنة 1998 صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 09/12/97 تحت رقم 149274 .
الفرع الثاني : وسائل العمل الممنوحة للهيكل النقابي .
حتى و لو كان الهدف من إنشاء الهياكل النقابية هو ضمان تمثيل المصالح المادية و المعنوية لأعضاء المنظمة النقابية المنشأة، فبالرغم من ذلك فإنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية و بالتالي فلا تستطيع إبرام العقود و لا اللجوء إلى القضاء كمدعية أو مدعى عليها و هذا ما أقرته المحكمة العليا ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إذ إعتبرت أن الهيكل النقابي ما هو إلا فرع محلي للنقابة و ليس له لا أهمية و لا صفة التقاضي
و ذلك لعدم تمتعه بالشخصية الإعتبارية .
و لكن حتى و إن كان الهيكل النقابي لا يتمتع بالشخصية القانونية فإ ن المشرع منحه عدة صلاحيات لتمكينه من القيام بالمهام الموكلة إليه خاصة تلك المتعلقة بتمثيل المصالح المادية والمعنوية
لأعضائه داخل المؤسسة هذه الصلاحيات تتمثل في :
1 - حرية الإعلام :
يجب على صاحب العمل أن يخصص لكل هيكل نقابي داخل المؤسسة لوحة على الأقل مغايرة لتلك الموضوعة للجان المشاركة و ممثلي العمال، و ذلك لإعلام النقابي وفقا للإتفاق المبرم مع صاحب العمل إذ ذلك يرجع للتفاوض: تحديد عدد اللوحات، شكلها، مساحتها و مكان وضعها .
لكن كيفية و وقت النشر تبقى حرة من إختصاص الهيكل وحده مع وجوب إحترام أوقات الفتح العادية
للمؤسسة، لكن هل للهيكل الحرية التامة في نشر كل ما يريده دون مراقبة من قبل صاحب العمل ؟
إن مضمون الوثائق المنشورة توضع بكل حرية من قبل الهيكل النقابي و ذلك تكريسا لمبدأ حرية
ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسة ، بشرط أن يكون المضمون متفق مع الهدف المسطر لها مع إرسال نسخة منها في نفس الوقت إلى صاحب العمل لإعلامه بمضمونها، و عليه فليس للمستخدم سلطة المراقبة لا القبلية و لا البعدية على المنشورات النقابية، فإذا ما تبين له أن تلك المنشورات تتضمن أحكام مخالفة لهذه النقابة- الدفاع عن مصالح و حقوق أعضائها- فليس له صلاحية نزع ذلك المنشور أو حذف جزء منه فإنه بذلك يكون معرض لمتابعة جزائية لإرتكابه مخالفة عرقلة ممارسة الحق النقابي، و نفس الحكم يطبق على كل شخص يقوم بذات الفعل .
* فلا يبقى أمام من إعتبر مضمون المنشور غير شرعي إلا أن يلجأ إلى القاضي الإستعجالي الذي
ـــــــــ
([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قرار منشور م.ق.ع الأول لسنة 1998 صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 09/12/97 تحت رقم 14927 .
وحده يستطيع الأمر بالنزع الفوري للمنشور ، و ذلك لتفادي الضرر الذي يمكن أن ينجر عن ذلك النشر، و عندما تكون حالة الإستعجال غير متوافرة أي لم تعد هناك فائدة من نزع ذلك المنشور،
و بالتالي يكون القضاء العادي هو المختص بالفصل في أصل الحق و يقرر ما إذا كان مضمون المنشور شرعي أم لا، و الحكم الصادر في هذه الحالة ينحصر في إلزام المنظمة النقابية التي أسست الهيكل النقابي في تعويض الضرر الناجم .
2- حرية توزيع المناشير :
إن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على إعتبار توزيع المناشير من صلاحيات الهياكل النقابية، لكن بالرغم من ذلك فإنها تعتبر من بين أهم وسائل حرية التعبير عن الأراء النقابية، و حتى كوسيلة لإعلام العمال عن النتائج المتوصل إليها في الإجتماعات ، لذلك ن أمل أن يستدرك المشرع هذا النقص في التشريع و يدرج هذا الحق - حق توزيع المناشير- ضمن صلاحيات الهياكل النقابية في قانون العمل .
و بالرغم من عدم ورود نص ينظم كفية توزيع المناشير داخل المؤسسة فإنه يمكن أن يكون ذلك خاضع للتفاوض ما بين المنظمات النقابية و صاحب العمل ،إذ يمكنها الإتفاق حول حرية الهيكل النقابي في ممارسة حق توزيع المناشير داخل المؤسسة، طريقة و وقت و أماكن توزيعها .
و على العموم فإن توزيع المناشير داخل المؤسسة يعتبر نتيجة لحرية ممارسة الحق النقابي وذلك
بشرط أن يكون محتواها مطابق لنشاط المنظمة النقابية و للهدف الذي تصبو إلى تحقيقه، و إذا ما لاحظ المستخدم أن تلك المناشير تتضمن أحكام مخالفة للغرض الذي أسست لأجله المنظمة النقابية أو تم توزيعها خارج أماكن و أوقات العمل المتفاوض بشأنهما فإنه يمكنه اللجوء إلى القضاء لطلب التعويض عن الأضرار اللاحقة به و لتنفيذ الإلتزامات المتعاقد عليها.
3- حرية عقد الإجتماعات :
بإمكان كل هيكل نقابي، عندما يريد ذلك، أن يعقد إجتماعا داخل المؤسسة و بالذات في الأماكن المحددة لذلك الغرض ، -مع ملاحظة أن القانون يشترط في حالة كون المنظمة النقابية تضم 150 عضو أو أكثر- أن يضع صاحب العمل تحت تصرفها محلا ملائما لعقد الإجتماعات فيه، أما إذا لم يكن عدد الأعضاء مساويا للقيمة المذكورة فإن أمر تحديد مكان الإج ت ماعات يرجع إلى التفاوض بين
المنظمة النقابية و المستخدم ، ذلك لأن هذا الأخير يعتبر مسؤول عن تسهيل عملية عقد الإجتماعات بوضعه الوسائل الضرورية لذلك .
حتى و لو لم ينص المشرع على ذلك صراحة، فإنه و لضمان حسن سير العمل النقابي، فيجب أن تعقد الإجتماعات خارج أوقات العمل و تاريخ تحديدها يرجع إلى الحرية التامة للهيكل النقابي، و على العموم فإن ذلك يرجع تنظيمه إلى التفاوض الجماعي بإعتبار حرية عقد الإجتماعات يترجم عقدها داخل المؤسسة على أنه حرية ممارسة الحق النقابي .
الأصل أن تعقد الإجتماعات ما بين أعضاء الهيكل النقابي ، لكن ما الحكم لو أراد المستخدم حضورها ؟
إن الفائدة المرجوة من عقد تلك الإجتماعات هو دراسة المشاكل التي تحيط بالأعضاء داخل المؤسسة و بالأخص ظروف العمل، و على العموم بأمور لا يجوز أن يكون المستخدم حاضرا عند مناقشتها، و ذلك دائما لتسهيل ممارسة الحق النقابي ، غير أنه في حالة ما إذا طلب صاحب العمل حضور إجتماع ما فإن قبوله أو رفضه يرجع إلى الحرية التامة للهيكل النقابي .
إذا كان حضور صاحب العمل للإجتماعات التي يعقدها الهيكل النقابي داخل المؤسسة ممنوع بحسب الأصل، فما الحكم المترتب عن حضور أشخاص آخرين من الغير لتلك الإجتماعات ؟
و هل شروط و ظروف توجيه الدعاوى للغير للحضور خاضع لضرورة إعلام المستخدم بها و لقبوله أم لا ؟
في هذا الإطار، و مع غموض النص، فإنه من الأفضل أن يرجع أمر تحديد ذلك إلى التفاوض ما بين صاحب العمل و المنظمة النقابية .
نشير فقط إلى أن الإجتهاد القضائي الفرنسي فرق ما بين الإجتماعات المنعقدة داخل المحلات النقابية أو خارجها ، و كون الأشخاص المدعوة تتمتع بالصفة النقابية أم لا، فإذا كان المدعوون نقابيين فإن موافقة المستخدم على دعوتهم غير ضرورية إذا عقد الإجتماع داخل المحل النقابي، إما إذا عقد ه خارجه فيجب الحصول على موافقة المستخدم و نفس الإجراء إذا كان المدعوون غير نقابيين (9)
ـــــــــ
(9) L’employeur qui refuse l’accès de l’entreprise à une personnalité syndical extérieur commit un délit d’entrave. (cassation crime de France 11 mai 1989
المطلب الثاني : الأحكام الخاصة بالمندوبين النقابيين .
هل عند إنشاء الهيكل النقابي داخل المؤسسة يتم تعيين المندوبين النقابيين مباشرة، أم أن ذلك ليس بالضرورة، أي هل من الممكن أن يؤسس الهيكل النقابي دون إمكانية تعيين المندوبين النقابيين ؟ وهل خص المشرع هؤلاء -لتأديتهم المهام الموكلة لهم على أحسن وجه- بحماية خاصة ؟
إجابة عن هذه التساؤلات قسمنا هذا المطلب إلى ثلاثة فروع الأول تناولنا فيه شروط تعيين المندوبين النقابيين و الثاني تطرقنا فيه إلى صلاحياتهم و الثالث إلى النظام القانوني الذي يخضعون له .
الفرع الأول : شروط تعيين المندوبين النقابيين .
إن تعيين المندوبين النقابيين يخضع إلى عدة شروط موضوعية و شكلية تتمثل فيما يلي :
أولا: الشروط الموضوعية :
هاته الشروط منها ما يتعلق بالمندوب النقابي ، و منها ما يتعلق بعدد العمال داخل المؤسسة :
1- الشروط المتعلقة بعدد العمال داخل المؤسسة:
إن الجهة التي يؤول لها إختصاص تعيين المندوبين النقابيين هي الهياكل النقابية و ذلك طبقا للمادة 41 من القانون رقم 90/14 التي تنص على " يعين الهيكل النقابي المذكور في المادة 40 أعلاه من بينه المندوب أو المندوبين النقابيين المكلفين بتمثيلية لدى المستخدم ، في الحدود و النسب التالية:
- من 20 إلى 50 عامل أجير : مندوب واحد .
- من 51 إلى 150 عامل أجير : مندوبان .
- من 151 إلى 400 عامل أجير : 3 مندوبين .
- من 401 إلى 1000 عامل أجير : 5 مندوبين .
- من 1001 إلى 4000 عامل أجير : 7 مندوبين .
- من 4001 إلى 16000 عامل أجير : 9 مندوبين .
- أكثر من 16000 عامل أجير : 13 مندوبين .
نستخلص مما سبق أنه حتى يستطيع الهيكل النقابي تعيين المندوبين النقابيين فيجب ألا يقل عدد عمال المؤسسة عن 20 عامل ، فإن كانت المؤسسة تشغل أقل من ذلك العدد فإن تمثيل العمال الأجراء لضرورة التفاوض الجماعي و الوقاية من نزاعات العمل الجماعية و تسويتها يكون من إختصاص ممثل واحد يتم إنتخابه مباشرة من مجموع العمال .
و يدخل في إطار حساب عدد العمال كل الذين تربطهم علاقة عمل بالمؤسسة أي كل الأشخاص الذين يؤدون عملا يدويا أو فكريا مقابل أجر، لحساب شخص معنوي عمومي أو خاص يدعي المستخدم ،
و ذلك سواء كانوا يرتبطون بالمؤسسة بعلاقة عمل غير محددة المدة أو محددة المدة أو حتى العاملون بالتوقيت الجزئي و الذين يتمتعون بنفس الحقوق القانونية و المتفق عليها التي يتمتع بها العمال
المشتغلون بالتوقيت الكامل (10) .
2- الشروط المتعلقة بالمندوب النقابي:
لا يمكن تعيين كمندوب نقابي أي شخص (عامل بالمؤسسة)، إذ أن المشرع قيد ذلك بشروط واردة على سبيل الحصر في المادة 44 من القانون 90/14، تتمثل تلك الشروط في السن، الأقدمية
و تمتع المندوب بالحقوق المدنية و الوطنية .
أ- الـسـن :
حتى يجوز تعيينه كمندوب نقابي يجب أن يكون العامل بالغا 21 سنة كاملة يوم تعيينه (11) فإذا ما تم تعيين عامل لم يبلغ بعد هاته السن، فإنه يجوز لكل ذي مصلحة لا سيما صاحب العمل أن يطلب من القضاء سحب صفة المندوب النقابي عن ذلك العامل.
ب- الأقـدمــية: (12)
حتى يعين كمندوب نقابي يجب أن يكون العامل قد إشتغل داخل المؤسسة لمدة سنة على الأقل فلا يمكن للمنظمة النقابية أن تعين كمندوب نقابي لها من لا ي ربطه بالمؤسسة عقد عمل سواء كان هذا الأخير مبرم لمدة محددة أو غير محددة لتوقيت كلي أو جزئي، و كذا بغض النظر عن رتبة العامل المهنية ، إذ يمكن تعيين أي عامل بشرط أن تكون له علاقة تبعية سواء بالمؤسسة أو بالمقاولة أو بالإدارة العمومية حسب الحالة، و السؤال المطروح هنا هو هل يمكن تعيين القائمين بالإدارة كمندوبين نقابيين ؟
ـــــــــ
(10) أنظر المادة 09 من المرسوم التنفيذي رقم 97. 473 المؤرخ في 08/12/97 المتعلق بالعمل بالتوقيت الجزئي.
(11) أنظر المادة 44 من القانون 90/14 و المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي و الصادر بتاريخ02/06/90 .
(12) ورد خطأ بالمادة 44 من القانون 90/14 إذ نص على " ... يوم إنتخابه ..." إن الإنتخاب يخص ممثلي العمال أما المندوب النقابي فيعين و لا ينتخب، فالكلمة الصحيحة إذن هي : يوم تعيينه" .
إن المشرع لم يحدد صفة العامل و منصب العمل الذين يجب توافرهما في المندوب النقابي إذ ترك المجال مفتوحا أمام كل العمال و كذا أمام كافة المناصب بما في ذلك القائمين بالإدارة .
و في إنتظار صدور قرارات من المحكمة العليا، فإنني أعتقد أنه طالما غالبا ما يكونوا القائمين بالإدارة تابعين للمستخدم إذ يتخذون القرارات بإسمه و يمثلونه أمام مجموع العمال لدرجة أن صفتهم تختلط بصفة صاحب العمل، لذلك فإنه من الأجدر إبعادهم عن التمثيل النقابي .
يثورهنا تساؤل آخر حول إمكانية وجود علاقة قرابة بين العمال و صاحب العمل فهل هذا يعتبر عائق لتعيينهم كمندوبين نقابيين ؟
نقول هنا و إعتمادا على مبدأ : كل ما هو غير ممنوع القيام به قانونا فهو مباح و إعتبارا أن المشرع لم يمنع تعيين العمال الذين تربطهم علاقة قرابة بالمستخدم كمندوبين نقابيين فإن ذلك يرجع إلى النقابة إذا رأت أنه لا يلحقها أي ضرر فلها أن تعين أحد أقارب صاحب و ذلك مهما كانت درجة قرابته .
أشارت المادة 44 إلى عبارة "أقدمية لا تقل عن سنة" فهل كان المشرع يقصد من ذلك تأدية العمل الفعلي من قبل العامل - حتى يمكن تعيينه كمندوب نقابي- لمدة سنة على الأقل ، و هل يجب أن تبقى علاقة العمل قائمة بين المستخدم و العامل أ ، م أنه يكفي أن يكون العامل قد أدى فعلا عملا لفائدة المستخدم لمدة لا تقل عن سنة ثم إنقطعت تلك العلاقة لأي سبب من الأسباب ؟ إضافة إلى ذلك فهل يجب أن يكون العمل المؤد ى لمدة سنة يجب أن يكون مستمر لكامل تلك المدة ؟
إن نص المادة جاء غامضا و لم يتطرق إلى كل تلك التساؤلات، و عليه و للإجابة عليها يجب أن تتطرق إلى الفائدة المرجوة من إشتراط تلك المدة
إن الفائدة العملية من إشتراط تأدية المندوب النقابي لعمل داخل المؤسسة أو المقاولة أو الهيئة أو الإدارة العمومية لمدة سنة على الأقل هي إفتراض كونه على إطلاع أكبر بواقع المؤسسة و بمشاكل العمال الذين سيمثلهم، و حتى يكون تحقيق هذا الهدف قائم فيجب أن يبقى المندوب على علاقة مستمرة بالهيئة المستخدمة ، و عليه فإن تعليق علاقة العمل لأي سبب من الأسباب كحالة الإنتداب ، أداء الخدمة الوطنية أو الإحالة على البطالة التقنية ، ففي كل هذه الحالات علاقة العمل بين العامل
و صاحب العمل تعلق و لمدة طويلة أو على الأقل لمدة لا يمكن تقديرها و بالتالي فلا يمكن تعيينه كمندوب نقابي. في حين فإن تعليق علاقة العمل لحالة مرضية و لمدة معينة لا تمنع ذلك .
هذا من جهة ، و من جهة أخرى هل العمل المؤدي لمدة سنة على الأقل يجب أن يكون مستمر أم أنه يكفي توافر هذه المدة حتى و لو كانت العلاقة يشوبها تقطع ؟ فهل حساب الأقدمية يكون مرتبط بعقد عمل وحيد أم أنه يتعداه إلى أكثر من ذلك ؟
بما أن المشرع لم يستثن حالة عقود العمل المحددة المدة، فإنه يمكن جمع عدة عقود للحصول على المدة المقررة قانونا، لكن في هذه الحالة فإنه يمكن أن يثور مشكل الفارق الزمني بين العقد الأول و العقد الثاني، فما هو مقدار المدة الزمنية التي يجب أن لا يتعداها إبرام العقد الثاني ؟
هنا أيضا لا يوجد حل قانوني و لا قضائي على الأقل نستطيع القول أنه حتى يبقى العامل على إطلاع بواقع المؤسسة فيجب ألا يكون الفارق بين إبرام العقدين طويل .
مثال : عامل إرتبط مع المؤسسة بعقد عمل محدد المدة يبدأ سريانه من تاريخ01/01/2005 إلى غاية 30/04/2005 ثم أبرمت معه نفس المؤسسة عقد عمل آخر و ذلك بتاريخ 01/07/2005، و بتاريخ
30/03/2006 تم تعيينه كمندوب نقابي .
إن شرط أقدمية العمل في المؤسسة المقررة من قبل المشرع متوافر في قضية الحال و ذلك بجمع مدة العمل المؤد ى في العقد الأول و هي 04 أشهر و مدة العمل الثانية المتمثلة في 9 أشهر ف : 4+9 = 13 شهر .
ج – التمتع بالحقوق الوطنية و المدنية :
لكي يمكن تعيينه كمندوب نقابي يجب أن يكون العامل متمتع بحقوقه المدنية و الوطنية لا سيما حق الإنتخاب و الترشيح و كذا تمتعه بكامل أهلية الأداء ، و بالتالي فلا يجب تعيين (13) من حرم من حق الإنتخاب أو الترشيح و كذا عديم الأهلية لأن يكون مساعدا مح لفا أو أخبيرا أو شاهدا على أي عقد أو أمام القضاء أو أن يكون وصيا أو ناظرا و كذا المحروم من حق حمل الأسلحة و التدريس و من إدارة مدرسة أو يستخدم في مؤسسة للتعليم بوصفه أستاذا أو مدرسا أو مراقبا، و كذا المحروم من حق الإقامة كمندوب نقابي .
ثانيا: الشروط الشكــلـيـة .
بادئ ذي بدء يجب تصحيح خطأ وارد في المادة 45 من القانون رقم 90/14 إذ وردت سهوا عبارة " التي تعقب إنتاخبهم" بدلا من "تعقب تعيينهم" ذلك لأن المندوبين النقابيين يعينون و لا ينتخبون
إضافة إلى الشروط الموضوعية الواجب توافرها لتعيين المندوبين النقابيين إشترط القانون شرط شكلي يتمثل في ضرورة تبليغ المستخدم و مفتش العمل بلقب و إسم المندوب أو المندوبين النقابيين
و ذلك خلال أجل لا يتعدى 8 أيام من تعيينهم .
ـــــــــ
(13) أنظر المادة 08 من قانون العقوبات .
ففي ماذا تتمثل وسائل الإعلام و ماهو الجزاء المترتب عن عدم إحترام الأجل المحدد قانونا ؟
إن المشرع لم يحدد الوسائل التي بواسطتها يتم تبليغ المستخدم أو مفتش العمل بألقاب و أسماء المندوبين النقابيين، و بالتالي ترك المجال مفتوحا للهيكل النقابي أو للمنظمة النقابية لإختيار الوسيلة التي تراها أنسب للتبليغ حتى شفاهة، لكن تجنبا لإنكار المستخدم بتبليغه بألقاب المندوبين ، و نظرا لكون عبئ الإثبات هنا يقع على عاتق الهيكل النقابي أو النقابة فإنه من الأحسن أن يتم التبليغ عن طريق رسالة مضمنة الوصول مع الإشعار بالإستلام، أو عن طريق رسالة مسلمة شخصيا مع إستلام
وصل عن ذلك .
و إذا كانت المؤسسة مقسمة إلى أماكن عمل متميزة و تم تعيين مندوبين نقابيين في تلك الأماكن، فإن تبليغ قوائم أسماء و ألقاب المندوبين، يتم أمام مسؤول المؤسسة و كذلك مسؤولي تلك الأماكن .
إن تعيين المندوبين النقابيين لا يكون نافذا في مواجهة المستخدم و لا مفتش العمل إلا عند تبليغهما بذلك خلال 8 أيام من تار ي خ التعيين، يثار هنا التساؤل حول الجزاء المترتب عن عدم إحترام ذلك الأجل و قيام الهيكل بالتبليغ بعد مرور شهر مثلا من تاريخ التعيين ؟
قبل الجواب عن هذا التساؤل يجب التأكد أولا من الهدف من وضع ذلك الأجل و من كونه يتعلق بالنظام العام أم لا ؟
بالإطلاع على نص المادة 45 المذكورة سلفا فإنه يتجلى لنا أن الهدف من وضع أجل 8 أيام يتمثل في كونه وسيلة لإعلام المستخدم في أجل قصير نوعا ما بقائمة المندوبين النقابيين ، و أن هذا الأجل مقرر لمصلحة المستخدم و بالتالي لا يعتير من النظام العام ، فإذا ما ثار نزاع حول عدم تبليغ المستخدم بتلك القائمة خلال تلك المدة فإن المحكمة تقضي بإلغائها و ذلك لإخلال الهيكل النقابي بالإلتزامات الملقاة على عاتقه .
سبقت الإشارة إلى أن الغاية من تبليغ المستخدم بقائمة أسماء و ألقاب المندوبين النقابيين هي إطلاعه عليها، و هذا ما يمكنه من مراقبة كون الشروط الواجب إحترامها - سواء تلك المتعلقة بعدد العمال في المؤسسة أو المتعلقة بالعامل في حذ ذاته كوجوب بلوغه سن 21 سنة و أن تكون له أقدمية لا تقل عن السنة- متوافرة، فإذا ما تبين له أنها غير متوافرة فله أن يطعن في تلك القائمة أمام القضاء الإجتماعي الذي له أن يحكم بإلغائها إذا ما تبين له أن إجراءات التعيين كانت مخالفة للقانون.
في الأخير نشير إلى أن المشرع قصر تبليغ أسماء و ألقاب المندوبين النقابيين على صاحب العمل و مفتش العمل فقط، و نعتقد أن كان من الأجدر به أن ينص أيضا على وجوبية إعلام العمال الأجراء بذلك.
و لكن حتى و لو لم يرد نص صريح بذلك، فإنه من المفيد و من اللازم أن يكون العمال على علم بأسماء المندوبين الذين سيمثلونهم مستقبلا أمام الهيئة المستخدمة، و على ذلك فإنه يجب على الهيكل النقابي أن يبلغ العمال بقائمة المندوبين سواء عن طريق التعليق أو أي وسيلة أخرى.
الفرع الثاني : صلاحيات المندوبين النقابيين .
بعد قراءة أولية للأحكام المتعلقة بالمندوبين النقابيين و بالقانون المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي و حتى القانون رقم 90/11 خاصة الباب السادس منه (14) نلاحظ أن المشرع لم يبين المهام
و الصلاحيات التي يمكن للمندوب النقابي القيام بها، و هنا نتساءل عن الفائدة من تخصيص فصلين
كاملين متضمنين أحكام لتسهيل عملهم و أخرى لحمايتهم من أي ضغط يمارس عليهم من قبل المستخدم ؟
فمن جهة نص المادة 46 من القانون رقم 90/14 على أنه "يحق للمندوبين النقابيين التمتع بعيش ساعات في الشهر مدفوعة الأجر كوقت عمل فعلي و ذلك لممارسة مهمتهم النقابية، و من جهة أخرى نصت المادة 53 من نفس القانون على أنه : "لا يجوز للمستخدم أن يسلط على أي مندوب نقابي ، بسبب نشاطاته النقابية عقوبة العزل أو التمويل أو عقوبة تأديبية كيفما كان نوعها" فما جدوى وضع نظام حماية لفئة ما، و ذلك لتسهيل القيام بمهامها بكل حرية دون تحديد تلك المهام ؟
حسب رأيي إنه من غير المنطقي تخصيص كل تلك الأحكام- المتعلقة بالمندوبين النقابيين- دون أن تكون لهم مهام داخل المؤسسة: هنا يوجد تحليلين :
* التحليل الأول :
بالرجوع إلى الأحكام الخاصة بالقانون 90/02 (15) فإنه يجب على المستخدم و ممثلي العمال عقد إجتماعات دورية لدراسة وضعية العلاقات الإجتماعية و المهنية و ظروف العمل العامة داخل الهيئة المستخدمة، و لقد أعطت الفقرة الثانية من المادة 4 من نفس القانون تفسيرا لممثلي العمال إذ أشارت إلى أن عبارة ممثلي العمال تدل على الم م ثلين النقابيين للعمال أو
للمثلين الذين ينتخبهم العمال في حالة عدم وجود الممثلين النقابيين .
ـــــــــ
(14) أنظر المواد من 114 إلى 134 من القانون رقم 90/11 السالف الذكر و خاصة بالتفاوض الجماعي.
(15) أنظر المادة 04 من القانون رقم 90/02 الصادر بتاريخ 06/02/90 و المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها و ممارسة حق الإضراب.
فماذا يقصد المشرع بعبارة "الممثلين النقابيين للعمال" ؟
إن المادة الرابعة السالفة الذكر أوكلت مهمة الوقاية من النزاعات الجماعية للممثلين النقابيين و في حالة عدم وجودهم فإنها أوكلت تلك المهمة لممثلين منتخبين من قبل العمال.
يفهم من ذلك أن الممثلين النقابيين المذكورين أولا لا يكونوا منتخبين و لكنهم معينين، إضافة إلى أنه مفترض تواجدهم المستمر في المؤسسة، في حين أن الممثلين المذكورين ثانيا يكونوا منتخبين، و إنتخابهم يتم لغرض عقد الإجتماعات مع المستخدم لتسوية النزاعات الجماعية .
إذن، فأول ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع فرق بين نوعين من الممثلين: ممثلين نقابيين و ممثلين منتخبين من قبل العمال و هاذين النوعين من الممثلين أطلق عليهما تسمية ممثلي العمال .
و ثاني ملاحظة هي أن الممثلين النقابيين يكونوا معينيين في حين أن الممثلين الأخرين يكونوا منتخبين من قبل العمال، و من المعلوم أن الممثلين النقابيين الغير المنتخبين و الذين يكونوا معينين في المؤسسة هم المندوبين النقابيين .
* التحليل الثاني :
و بالرجوع إلى المادة 42 من نفس القانون فإن المشرع نص على أنه في حالة عدم توافر منظمة نقابية تمثيلية أو هيكل نقابي داخل المؤسسة فإن تمثيل العامل لضرورة التفاوض الجماعي
و الوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها يكون من قبل ممثل ي ن ينتخبهم مجموع العمال، و أبعد من ذلك فإنه حتى عند تواجد هيكل داخل المؤسسة تشغل أقل من 20 عامل (أي إستحالة تعيين مندوب نقابي) فإن تمثيل العمال للتفاوض الجماعي و للوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها
يكون من قبل ممثل منتخب .
يستخلص من القراءة المخالفة للمادة 42 السالفة الذكر أنه عندما تتوافر في المن ظم ة النقابية الشروط المنصوص عليها في المادة 35 و ما بعدها و المتعلقة بالتمثيلية إضافة إلى توافر شروط إنشاء الهياكل النقابية و شروط تعيين المندوبين النقابيين لا سيما تلك المتعلقة بتوافر الحد الأدنى من العمال داخل المؤسسة (20 عامل على الأقل) فإن مهمة التفاوض الجماعي و تسوية النزاعات الجماعية تسند إلى ممثل نقابي.
بربط التحليلين السالفي الذكر فإنه يمكن أن نستخلص أن المهام الموكلة إلى المندوبين النقابيين هي التفاوض و الوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها.
إن ما يدعم النتيجة المتوصل إليها هي أنه من الناحية العملية فإن المنظمات النقابية في تأديتها لمهامها تحاول دائما الإستفادة من نظام الحماية الخاص با لمندوبين النقابيين، فإذا ما أوكلت مهمة التفاوض الجماعي مثلا لممثل آخر غير المندوب النقابي فإنه لا تطبق عليه الأحكام الواردة في الفصلين الثاني و الثالث من الباب الرابع من القانون رقم 90/14 و المتعلقين بالتسهيلات الممنوحة للمندوبين النقابيين و بالحماية المقررة لهم أثناء ممارستهم لنشاطاتهم النقابية ، فذلك الممثل لا تمنح له مدة العشر ساعات و يمكن للمستخدم أن يباشر ضده إجراء تأديبي دون إتخاذ التدابير المنصوص عليها قانونا
الفرع الثالث : النظام القانوني الذي يخضعون لهم .
أولا: الأحكام المتعلقة بالتسهيلات المقررة لهم .
لضمان حسن تأدية المهام النقابية الموكلة لهم فإن المشرع منح المندوبين النقابيين مدة 10 ساعات في الشهر مدفوعة الأجر و إعتبرها كوقت عمل فعلي ، و لا يدخل في حساب تلك الساعات الوقت الذي يقضيه المندوب النقابي في الإجتماعات التي يستدعي إليها بمبادرة من المستخدم .
إن الوقت الذي يقضيه المندوب في الأعمال التي تكون بمبادرة منه فقط هي التي تحتسب، ولقد ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك و إعتبر أن المدة التي يقضيها المندوب في الإجتماعات التي يحضرها بطلب منه و يقبلها المستخدم لا تدخل في حساب العشر ساعات .
إن كيفية إستخدام تلك الساعات يكون من إختصاص المندوب وحده إذ يمكنه أن يستعملها دفعة واحدة أو يوزعها على فترات خلال الشهر و ذلك بحسب إحتياجات أعماله النقابية غير أنه إذا لم يستعمل كل تلك الساعات أو البعض منها فإنه لا يمكن تأجيل إستعمالها للشهر المقبل .
إضافة إلى ذلك فإنه يمكن للمندوبين النقابيين أن يجمعوا أو يقتسموا فيما بينهم مجموع حساب الساعات الشهرية الممنوحة إياهم ، شريطة موافقة المستخدم، إن هذا الشرط قد يؤدي إلى عرقلة حرية ممارسة الحق النقابي فيمكن لصاحب العمل أن يتعسف في استعمال هذا الحق و يرفض جمع
و إقتسام الساعات بين المندوبين ، و عليه فإنه كان يستحسن أن ينص فقط على وجوبية إعلان المستخدم بنية المندوبين بجمع و إقتسام الساعات الممنوحة لهم قانونا .
فحتى يستطيع المندوب النقابي تأدية المهام الموكلة إليه فإن المشرع منحه مدة 10 ساعات كل شهر مدفوعة الأجر و إعتبرها مدة عمل فعلي للمندوب حق إستخدامها سواء أثناء وقت العمل أو خارجه و بما أن نص المادة 53 من القانون 90/11 يقضي بأنه لا يمكن أن يتقاضى العامل أجر عن فترة لم يعمل فيها مهما تكن وضعيته في الترتيب السلمي ما عدا في الحالات التي ينص عليها القانون و بما أن المندوب النقابي في إستخدامه للعشر ساعات- و ذلك سواء أثناء وقت العمل أو خارجه- فإنه في الحقيقة لا يؤدي بذلك عمل ا لفائدة المؤسسة أي لا تكون علاقة التبعية متوافرة بينه و بين صاحب العمل و إنما يؤدي عمل لفائدة المنظمة النقابية التي يعتبر مندوبا عنها ، و هذا ما يجعل عمله هذا لا يقابله أجر طبقا للقاعدة العامة .
و خروجا عن تلك القاعدة نص المشرع في المادة 46 من القانون 90/14 على أن تلك المدة تعتبر كوقت عمل فعلي و يقابلها أجر و عليه فيجب على المستخدم أن يدفع للمندوب النقابي أجر مقابل الساعات التي لم يؤد ى فيها عمل لصالحه و لكن إستخدمها للنشاط النقابي.
إن قيمة الساعات العشر تحدد بنفس قيمة الساعات التي كان من المفروض قد عمل فيها المندوب، فإذا كان إستخدامها أثناء وقت العمل العادي فإن الأجر الذي يقابلها يجب أن يكون مساويا للأجر المقابل لساعات العمل العادية، و إذا كان إستخدامها أثناء الساعات الإضافية أو أثناء الليل فإن الأجر المقابل يجب أن يأخد بعين الإعتبار الزيادة التي لا تقل بأي حال من الأحوال عن 50 ℅ من الأجر العادي للساعة الواحدة، هذا بالنسبة للساعات الإضافية ، أما بالنسبة للعمل فإن المستخدم ملزم ب دفع أجرة تقدر قيمتها بساعات العمل العادية .
لعل أهم وسيلة يمكن أن يستخدمها المندوب النقابي لتسهيل تأدية مهامه النقابية هي حرية تنقله داخل المؤسسة المستخدمة و حرية إتصاله بالعمال حتى أثناء قيامهم بالعمل، و ذلك للوقوف على المشاكل التي يعانيها هؤلاء و على ظروف العمل بصفة عامة، و بالتالي فإن دفاعه عن المصالح المادية و المعنوية للعمال الأجراء الذين تعطيهم القوانين الأساسية للمنظمة النقابية التي ينضمون لها يكون مبني على الواقع المعاش فعلا داخل المؤسسة، و بالرغم من ذلك فإن القانون الجزائري لم ينص على هذه الوسيلة و لم يتعرض لها الإجتهاد القضائي .
إلا أنه حتى و لو لم ينظم المشرع نظام حرية تنقل المندوب النقابي داخل الهيئة المستخدمة و في مواقع العمل ، فإنه من الممكن إعتبار ذلك جائز قانونا لما دامت الغاية من تنقله داخل المؤسسة يكون في إطار تسهيل تأديته لمهامه النقابية و المتمثلة في الدفاع عن المصالح المادية و المعنوية للعمال الأجراء فذلك الدفاع لا يكون مؤسس و لا منتج إلا إذا كان مبني على المعرفة الميدانية للمشاكل التي يعانيها العمال .
و بما أن المشرع إفترض أن الساعات العشر الممنو ح ة للمندوب النقابي قد تم إستغلالها للعمل النقابي فعلا، فإذا ما ثار نزاع حول ذلك أي أن المندوب لم يستخدم تلك الساع ات في النشاط النقابي، فعلى المستخدم- طبقا لقاعدة أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي-أن يثبت أنه فعلا لم يستعمل تلك الساعات للعمل النقابي، فإذا ما أثبت ذلك فلا يدفع له أجر مقابل تلك الساعات.
_________________