جاءت مضامين القوانين الأساسية لعمال مختلف قطاعات الوظيف العمومي مخيّبة لآمال مئات الآلاف من الموظفين الذين ناضلوا وكافحوا من أجلها، ودخلوا في إضرابات عن الطعام، وعن العمل، واحتجوا، ونظّموا اعتصامات وتجمعات احتجاجية من أجلها، مدة ست سنوات كاملة من النضال والكفاح، وذلك ابتداء من سنة 2002 تاريخ تجميد مشروع القانون الأساسي للوظيف العمومي في المرة الأولى على مستوى الغرفتين البرلمانيتين، إلى غاية 2008، السنة التي بدأت فيها القوانين الأساسية ترى النور واحدا بعد الآخر.
الوظيف العمومي والقدرة الشرائية.. المندبة كبيرة والميت شبكة الأجور
غير أنها وبقدر ما كانت فرحة موظفي القطاع العمومي بها كبيرة، بقدر ما كانت خيبتهم اكبر في مضمونها، خاصة فيما يتعلق بتوحيد قيمة النقطة الإستدلالية في جميع القوانين طبقا للقانون العام للوظيف العمومي، حيث أنها أصبحت تساوي 45 دينارا بالنسبة لعمال جميع القطاعات وكل الأصناف والرتب، وفي ظل ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للموظفين، تقلصت قيمة النقطة الإستدلالية بالمقارنة مع تضاعف أسعار المواد الغذائية الواسعة الإستهلاك، ولم تكد الزيادات في الأجور التي جاءت بها القوانين الأساسية تدخل حيز التنفيذ، بعد أشواط طويلة من المفاوضات، خاضتها نقابات المركزية النقابية مع الوزارات الوصية، حتى كانت الأسعار في السوق قد تجاوزت قيمة النقطة الإستدلالية، وسواء تعلق الأمر بسلم الرتب والأصناف أو النقاط الإستدلالية الممنوحة لكل صنف، فإن جميع الموظفين بدون استثناء أبدوا سخطهم على مضمون القوانين الأساسية، وأدرجت معظم النقابات مطلبا جديدا في لوائحها وهو ضرورة رفع قيمة النقطة الإستدلالية إلى 70 دينارا لمسايرة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
وشرعت النقابات في النضال من أجل رهان آخر وهو المطالبة بإلغاء بعض المواد من هذه القوانين، وتعديل مواد أخرى، وإضافة مواد أخرى لم تدرج، كما بقي مشكل المتعاقدين والموظفين المؤقتين مطروحا في مختلف القطاعات.
وحسب حصيلة عرضها الوزير الأول احمد أويحيى أمام أعضاء المجلس الشعبي الوطني فإن 18 قانونا أساسيا خاصا بعمال مختلف قطاعات الوظيف العمومي صدر في الجريدة الرسمية، ودخلت حيز التنفيذ، وهي تخص 66 بالمائة من الموظفين في القطاع العمومي، و18 قانونا أساسيا آخر تأخر، لأنه مايزال حبيس العديد من العراقيل أهمها وجود إرادة في وضع قانون يتنافى مع القانون العام للوظيفة العمومية الذي يجب أن يحترم، لأنه صادر بموجب أمر رئاسي، وماتزال هذه القوانين مجرد مقترحات محل خلاف بين النقابات والوظيف العمومي إلى غاية الآن، لأنها تتضمن عدة نقاط لا تتطابق مع القانون الأساسي العام للوظيفة العمومي، ثلاثة قوانين موجودة على طاولة المديرية العامة للوظيف العمومي وسيتم الإنتهاء منها في جانفي المقبل، وأخيرا خمسة قوانين لم تصل بعد إلى المديرية العامة للوظيف العمومي، وذلك من مجموع 44 قانونا أساسيا خاصا بالوظيف العمومي، هكذا رد الوزير الأول أحمد أويحيى على النواب في المجلس الشعبي الوطني عندما سئل عن تأخر صدور عدد من القوانين الأساسية الخاصة بعمال بعض قطاعات الوظيف العمومي.
النقابات المستقلة صانعة إحتجاجات الجبهة الاجتماعية
شبكة الأجور والقوانين الأساسية عود كبريت أشعل الإضرابات
* السلطات العمومية "تلجم" أفواه المضربين بالعصا لمن عصى
عادت الإضرابات بشكل بارز، هذه السنة 2008، وسط القطاعات الوظيفية وأبرزها الأسرة التربوية، الصحية بالمستشفيات، التعليم العالي بالجامعات، وبعض القطاعات الاقتصادية على غرار موانئ الوطن، وعلى رأسها ميناء العاصمة، هذا الأخير الذي تعارض نقابته المنضوية تحت لواء المركزية النقابية فتحه للشراكة لفائدة الشركة العالمية "موانئ دبي".
وقد استثمر ممثلو الجبهة الاجتماعية في قضية الإعلان عن شبكة الأجور، مطلع سنة 2008، والقوانين الأساسية لكل قطاع المنبثقة عن القانون العام للوظيفة العمومية، التي تقارب 44 قانونا لايزال منها 18 قانونا أغلبها لدى الحكومة وأخرى قيد الصياغة، مطالبين برفع الأجور وتحسين القدرة الشرائية للموظفين مع فتح باب الحوار.
وأجمعت النقابات المستقلة على وجود بعض "الإجحاف" في تصنيف رتب عدد من الفئات بشبكة الأجور، وأبرزها فئة المساعدين التربويين التي عارضت إنزالها إلى سلم 7 مطالبة برتبة 10 ضمن الشبكة الجديدة، حيث أعلن هؤلاء الشروع في حركة احتجاجية، بإضراب لمدة ثلاثة أيام ابتداء من 20 أكتوبر الماضي، وتبعه إضراب وطني لمدة أربعة أيام بداية من 16 نوفمبر الماضي.
وترى النقابات المستقلة أن إعلان الحكومة عن الزيادات في الأجور قبل الانتهاء من إعداد القوانين الأساسية "خرق للدستور"، وهو ما دفعها إلى مواصلة القطيعة مع السلطات العمومية بالإضرابات، كما ركزت نقابة الموانئ على رفضها لشركة "موانئ دبي" في تسيير ميناء العاصمة.
ومن أهم المطالب التي تتفق عليها النقابات، رفع النقطة الاستدلالية من 45 إلى 70، مع حساب المردودية على الأجر الخام وليس القاعدي، إلى جانب التعجيل بفتح مفاوضات جدية حول النظام التعويضي، "لتدارك النقائص المسجلة في شبكة الأجور"، معتبرين أن تسيير الملف تم "في غموض وضبابية"، وأن التسيير الجدي يقتضي فتح الحوار "الجاد"، مؤكدين أن "الاستفزاز يزيد من سياسة التشجيع على هجرة الكفاءات".
وفي سياق دعوتهم إلى ضرورة المشاركة في قمة الثلاثية، قاولوا "نحن نشن الإضراب وسيدي سعيد أمين عام المركزية النقابية يفاوض باسمنا"، وألحت نقابات التربية على ضرورة إلغاء القرار الوزاري 94/158 الخاص بتسيير أموال الخدمات الاجتماعية، وإلغاء الفقرة 04 للمادة 22 من القانون التوجيهي للتربية الوطنية، وقالوا أنهم نقابات مرتبطة بالمطالب الاجتماعية والنقابية، "وليس هناك أطراف سياسية تستغلنا في سياق العهدة الثالثة لرئيس الجمهورية".
وقد عايشت الأسرة التربوية، على وجه الخصوص، غليانا لفترة معينة بسبب الحجم الساعي المطبق في الطور الابتدائي، للموسم الدراسي 2009/2008، وقال الأساتذة المعلمون أنهم أضحوا محتجزين برفع التوقيت من 30 ساعة إلى 54 ساعة، وناشدت نقابة "إينباف" رئيس الجمهورية في "بيان" لها التدخل العاجل من اجل إعادة النظر في شبكة الأجور، "من أجل راتب يتماشى ومؤشر غلاء المعيشة"، وطالبت الوصاية بإلغاء المادة 22 من القانون التوجيهي، وقالت أن المادة 135 من الأمر رقم 75/58 من القانون المدني، الملغاة كانت تضمن الحماية الاجتماعية للأستاذ.
سعر البترول في 2008.. من القمة إلى الحضيض
الانهيار الاقتصادي حول ناقلات النفط إلى مستودعات عائمة
توقعات بتراجع متوسط سعر النفط إلى 25 دولارا سنة 2009
توقعت تقارير دولية أن تدفع التقلبات الاقتصادية التي لحقت بجميع القطاعات خلال سنة 2008 والتي كان على رأسها تراجع أسعار النفط لما دون 34 دولارا للبرميل لأول مرة منذ منتصف 2004، متوسط أسعار النفط إلى مستوى 25 دولارا للبرميل نتيجة الأوضاع القاتمة للاقتصاد العالمي في عام 2009.
وكانت أسعار النفط قد شهدت عام 2008 مرحلتين، الأولى عندما بلغت 147,5 دولار للبرميل في 11جويلية الماضي بسبب عمليات المضاربة القوية، قبل أن تعاود الهبوط السحيق إلى 34 دولارا للبرميل في نهاية ديسمبر بعد خروج المضاربين من البورصات بسبب الخسائر التي تكبدوها من جراء الأزمة المالية وتحميلهم جزءا من مسؤولية الأزمة المالية، ورغم محاولات أوبك ودول منتجة من خارج المنظمة بذل جهود لكبح الانهيار، حيث قررت المنظمة بوهران خفضا غير مسبوق بـ2,2 مليون برميل في اليوم، إلا أن الانهيار لم يتوقف حتى مع ارتفاع قيمة الخفض منذ الفاتح سبتمبر الماضي 4,2 مليون برميل، وهي أعلى نسبة خفض في سنة واحدة في تاريخ المنظمة منذ تأسيسها.
وزاد من سوداوية التوقعات، تراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز" بنسبة 50 % إلى 500 نقطة، وانخفاض نمو الناتج المحلي الصيني.
وبعد إفلاس مصرف "ليمان براذرز" الأمريكي في سبتمبر، انعكس هذا المنطق، فصار الخوف من انهيار الأسعار يدفع المستثمرين إلى التخلص من النفط في ظل الحاجة الماسة إلى سيولة، وفي نفس الوقت تسبب ارتفاع أسعار النفط إلى تراجع استهلاك المحروقات في الدول الصناعية، من جراء تراجع استعمال السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من البنزين في الولايات المتحدة.
وقال اقتصاديون إن الدول والحكومات التي تعتمد اعتمادا مباشرا أو غير مباشر على العائدات النفطية، ستتعرض موازناتها إلى هزات عنيفة إذا واصلت أسعار النفط تراجعها إلى مستويات قياسية خلال السنوات القليلة القادمة، حيث ستتعرض ميزانيات الحكومات المعتمدة على النفط إلى ضغط شديد نتيجة الأزمة المالية التي تسببت في جفاف السيولة من الكثير من الاقتصاديات العالمية التي ستزداد حدتها في حال دخول الاقتصاد الصيني حالة الركود سنة 2009 من جراء الهبوط الحر للقطاعات التي يقودها التصدير في الاقتصاد الصيني بسبب تراجع النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، مما حول ناقلات نفط عملاقة في بعض المرافئ إلى مجرد مستودعات عائمة بسبب تراجع الطلب على النفط إلى أدنى مستوى له منذ 25 سنة.
كشفت المستور فضيّعت "غنيمة" الحج
وزارة غلام الله من "قنابل" طمين إلى مواجهة حملة التنصير وديوان بربارة
اهتزت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لأكثر من مرة خلال سنة 2008 على وقع الفضائح والاستقالات والتغييرات والتحقيقات الأمنية بمديريات وزارة غلام الله على المستوى الوطني، وكذا في أروقة مقر الوزارة بحيدرة في أعالي العاصمة بعد نشر المستشار الإعلامي للوزير أبو عبد الله غلام الله لغسيل الوزارة على صفحات الجرائد إثر صدور قرار إقالته.
واتهم عبد الله طمين في شهر فيفري المنقضي صراحة ودون تلميح كل من وزير الشؤون الدينية وعدد من إطاراته باستغلال أموال الأضرحة والزوايا والأوقاف لمصالحهم الخاصة، مؤكدا اقتناء غلام الله سيارة دفع رباعي بما جنته صناديق الأضرحة والزوايا من أموال، كما فتح النار على زملائه بدعوة السلطات العليا للتحقيق في "سكناتهم الوقفية" التي منحها إياهم الوزير دون دفع مستحقات الإيجار وكأنها ملك شخصي على حد تعبير طمين في رسالته التي تضمنت معلومات خطيرة عن "البزنسة" في تسيير مشاريع قطاع الشؤون الدينية والأوقاف ابتداء من مشروع رئيس الجمهورية مسجد الجزائر الأعظم الذي كان مقررا أن يسلم السنة المقبلة وصولا إلى مشاريع مؤسسة تسيير الأوقاف واختلاسات "صندوق الزكاة" ومؤسسة "القدس".
ورفض المستشار الإعلامي للوزير في رسالته المطولة لرئيس الجمهورية والسلطات العليا في الدولة ونشرتها الصحافة الوطنية أن يكون "كبش فداء" لفشل اللجنة الوطنية للحج والعمرة المشرفة على موسم حج2007 بعد أن طفت سلبيات اللجنة إلى السطح وأمر رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم بفتح تحقيق حول أدائها انتهى بحلّ لجنة بوخرواطة وتعويضها بديوان بربارة الذي نظم ولأول مرة موسم الحج خلال السنة الجارية، مستحدثا مبادرات أشادت بها المملكة العربية السعودية والبعثات الإسلامية كمبادرة إشراكه لعناصر الحماية المدنية في عملية تأطير الحجاج بالبقاع المقدسة ومرافقتهم في المشاعر، وإن استطاع بعض الحجاج المصابين بأمراض عقلية وعضوية خطيرة الوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بعيدا عن أعين الرقابة، إلا أن حصيلة وفيات الحجاج انخفضت إلى أرقام قياسية مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كان تعداد الحجاج الجزائريين والتائهين والموتى يتصدر قائمة الدول الإسلامية والعربية، وهذا ما دفع ـ حسب بعض المتتبعين والمراقبين ـ بمرافقين لبربارة الشيخ من إطارات وزارة غلام الله إلى البقاع المقدسة إعاقة الديوان والحيلولة دون نجاحه في أولى مهماته، خاصة بعد أن تكهنوا بفشله مسبقا.