صور المعلمات تجد طريقها إلى الأنترنت
ويكشف تحقيقنا مدى الاستعمال السلبي للفايس بوك، بعد أن وصل الحد ببعض التلاميذ إلى التقاط بعض صور لزملائهم أو أساتذتهم أو مدراء مؤسساتهم التربوية، ومختلف عمال القطاع، في لقطات مضحكة أو عادية زيادة إلى مقاطع فيديو، حيث يتم بثها على هذا الموقع الاجتماعي بالخصوص الذي عرف انتشارا واسعا، وجعلها موضع تعليق للمشتركين، بعد استغلال النقال خفية.
وهو ما أكده مدير متوسطة “فضيلة سعدان” الأستاذ فتوح، الذي قال إن الظاهرة منتشرة بالخصوص على المستوى الثانوي، ومع ذلك لم ينف استعمالها من طرف تلاميذ المتوسط، بعد أن نقل تجربة كانت ضحية أستاذة، حيث بث التلاميذ صورتها عبر “الفايس بوك”، بطريقة استهزائية، وقد دوّن في التعليق “اضغط هنا طيّر الأستاذة”، والقضية تم تناقلها من طرف الجميع، ووصلت إلى زوج الأستاذة المعنية.
وأضاف الأستاذ فتوح، أن التلاميذ يستغلون خصوصا الصور التذكارية التي يلتقطها الأساتذة مع تلامذة أقسامهم، مع نهاية كل سنة دراسية، حيث تستغل لأغراض أخرى هدفها السخرية والتعليق عليها عبر هذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة التي أسيئ استعمالها، موضحا أن جل هذه التصرفات تتم عند تواجد التلاميذ بمنازلهم، بعد أن أكد أن استعمال أجهزة الإعلام الآلي التي أضحت متوفرة بالمؤسسات التربوية تستغل وفق حدود وهناك صرامة من قبل الأساتذة.
ونقلت إحدى الأستاذات بمدرسة شلبي الواقعة بولاية البليدة، أن أساتذة تعرضت لنفس السيناريو، حيث التقطت لها صورة وتم عرضها في الفايس بوك، قبل أن تكتشفها ابنتها، ووصل الخبر الى زوجها ما أحدث خلافا بينهما كاد أن إلى الطلاق.
وأكدت مصادرنا أن الأساتذة الذين يقعون في مثل هذه “الدعابات” الثقيلة، هم من فئة المؤطرين غير المرغوب فيهم من قبل التلاميذ، وغير المحبوبين من طرف فئة معينة من المتمدرسين، إما لصرامتهم معهم، أو لعدم مقدرة الأساتذة كسب مودة تلامذتهم.
فيما أجمع العديد من الأستاذة المتعاقدين الذين يعملون في مناطق نائية بمختلف ولايات الوطن الذين التقت معهم “الفجر” أمام قصر المرادية، حيث ينظمون احتجاجا منذ قرابة الأسبوعين لمطالبة الإدماج، أن التلاميذ بهذه المناطق لا يسمعون بهذا النوع من الوسائل، حيث أوضحت أستاذة تعمل بمنطقة معزولة بإحدى مداشر برج بوعريريج أن تجربتها في التدريس ومن خلال طرح بعض المواضيع التي تخص الأنترنت أو وسائل الاتصال الحديثة، فإن التلاميذ يبقون صامتين حيث لا تجد عندهم معلومات عن استعمالات هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة، ونفس الشيء أوضحه أستاذ من ولاية الواد، وآخر من تيبازة وبالضبط من منطقة سيدي غيلاس، حيث أجمعوا أن تلامذتهم يختلفون عن زملائهم القاطنين في المدن الكبرى والمتحضرة، حيث كل وسائل الرفاهية متوفرة.
من التشهير بالأساتذة إلى الاستهزاء بالزملاء
ولدى محاولتنا استقصاء بعض آراء التلاميذ بمختلف الأطوار الثلاثة، بالتقرب أو الاتصال بهم، تفاجأنا بالإجابات المقدمة، حيث وجدنا تلاميذ من نفس العمر ونفس المستوى التعليمي، يصرحون بمعلومات مختلفة تماما ومتناقضة، بسبب الاختلاف في نمط المعيشة، ومستوى الرفاهية، فمثلا هبة التي تدرس بمتوسطة لعربي تبسي ببلكور بالعاصمة، أكدت أنها تعرف جيدا الفايس بوك، إلا أن والدتها تمنعها من الذهاب إلى نوادي الأنترنت إلا عند الضرورة “للبحوث” وتكون مرفقة بأخيها، الذي يدرس معها في نفس المتوسطة. وأضافت أنها تحترم رأي أمها باعتبار أن مشاكل عديدة تنجم عن هذه الوسيلة، خصوصا بعد الحادثة التي وقعت لإحدى صديقاتها، حيث وجد أخوها صورتها في الفايس بوك أكثر من مرة فأقدم على ضربها ضربا مبرحا وكاد يوقفها من مزاولة اادراسة، رغم معرفته بأن أخته لم تكن مذنبة، وإنما أحد التلاميذ هو من التقط لها صورة وبثها في الفايس بوك.
وقصة أخرى سردتها لنا هبة، ضحيتها هذه المرة تلميذ بسبب بدانته، حيث بثت له صورة وهو داخل كسكروط” صندويش”، للاستهزاء بسمنته، ما أدى إلى نشوب مشاجرة مع الفاعلين داخل قسمهم واستعملو أداة “المدور”، التي كادت أن تسفر عن جرحى لولا تدخل الأستاذ.
أما أخ هبة، المدعو محمود الذي يدرس في المتوسط، فقد قالها وبصريح العبارة “أنا معنديش الدراهم باش نروح إلى سيبر كافي”، مؤكدا أنه لولا عائق المال لكان من مستعملي الفايس بوك، باعتبار أن رفاقه مشاركين فيه، في الوقت الذي قال عز الدين الذي لا يتجاوز الـ11 سنة، والذي يدرس بمدرسة نفيسة بباب الواد، إن عشقه للفايس بوك راجع لحبه لتحميل صور لاعبي الفريق الوطني في مختلف لقاءاتهم زيادة إلى آخر الأغاني الصادرة عنهم، التي يتم تبادلها مع أصدقائه الذين يدرسون في الابتدائي. ونفس الشيء للتلميذة ريمة، التي تقطن بباش جراح، حيث أكدت أنها تستعمله رفقة زميلاتها من أجل التعرف على أصدقاء خارج الجزائر للتواصل معهم وتبادل الآراء، رغم صغر سنها، حيث لا تتجاوز 14 سنة.
“التلميذ يريد إسقاط الأستاذ”
في حين أن تلاميذ من نفس عمر عينتنا خارج العاصمة، أكدوا أنهم لا يعرفون هذه الوسيلة، على غرار بلال الذي يقطن بالعنصر ولاية جيجل الذي أكد أن الإعلام الآلي يستعلمه فقط للعب، ونفس الشيء بالنسبة لرضا ونزيم اللذان يدرسان مثل بلال في الابتدائي، حيث عند طرحنا عليهم سؤال هل تعلمون ما “الفايس بوك”، صرحوا أنهم لا يعرفون أين يقع ظنا منهم أننا نسألهم عن منطقة معينة، ما يظهر حجم الفرق الشاسع بين أبناء مختلف مناطقنا، والدور الذي يلعبه المحيط في تربية الأطفال.
ومهما يكن من أمر، يبقى الفايس بوك خطرا يحدق بالمؤسسات التربوية الجزائرية، بالنظر لعدم مقدرة البالغين التحكم في التلاميذ، إما في البيت أو خارجه، ورغم سنّ قوانين بمنع النقال في المدارس أو منع بعض أصحاب نوادي الأنترنت استقبال الأطفال إلا بحضور وليهم، وجد هؤلاء طرقا للإبحار في المناطق الممنوعة، خصوصا لدى العائلات ذات المستوى المعيشي المرفه.
وفي هذا الشأن، قال المكلف بالإعلام على مستوى نقابة الأساتذة “الكناباست” بوديبة مسعود إن منع التلميذ من هذه الوسيلة من المستحيلات، ولمحاربتها يجب التركيز على التوعية. وهو ما أكده مدير متوسطة الورود الذي دعا مسؤولي المدراس إلى تجنب استعمال الردع مع التلاميذ ودعاهم إلى تبني تجربته، لترك المجال أمام التلاميذ للتعبير عن آرائهم بكل حرية ودون خوف.
بين الإيجابيات والسلبيات شعرة واحدة
في الوقت الذي أكد فيه المكلف بالإعلام على مستوى الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين عمراوي مسعود، أن “الفايس بوك” ليس طابو، يثير المخاوف، بغض النظر عن سلبياتها وإيجابياها، أكد أساتذة آخرين أنه حتى وإن استعملت من طرف تلاميذ لأغراض سلبية كما فعل طلاب الثانوي مع بداية هذا العام بتحريض زملائهم على الانضمام إلى الإضرابات التي شنّوها ضد كثافة الدروس، حيث شلّت ثانويات بأكملها لأسابيع وخرج طلبة النهائي في نفس اليوم والساعة إلى الشورع، بسبب النداء الذي وجّه على صفحات هذه الأخيرة، وقضية النداءات التي وجّهها تلاميذ في المتوسط للانضمام للمسيرات التي ترأسها سعيد سعيدي ورفاقه، حيث وصل الأمر إلى اعتقال تلميذ في الـ15 من عمره كان يحرض زملاءه للخروج إلى الشارع ببلكور بالعاصمة، بالرغم من هذه المساوئ، نجد استعمالات إيجابية لها حيث أصبحت وسيلة لتبادل الدروس والتمارين للتحضير لشهادة البكالوريا مثلا بالنسبة لطلبة النهائي، بإشراف من أساتذتهم، حسبما كشفه لنا مربون من تيزي وزو وسطيف.
وتبقى هذه الوسيلة كغيرها من وسائل التكنولوجيا الحدثية كالهاتف النقال، والأنترنت، والفضائيات لها سلبياتها وإيجابياتها، وإن كان التلميذ والطفل القاصر غير واعٍ بما قد يكون من عواقب للاستعمال الخاطئ لمختلف هذه الوسائل، فالأمر يتطلب من الولي ومختلف الجهات الوصية به، اليقظة وتفعيل المراقبة، باعتبار أن المتمدرسين حاليا هم رجال الغد وإطارات الدولة الجزائرية الذين هم بحاجة إلى حماية بشتى الطرق.
غنية توات