في ضيافتك ... "مانديلا"
2010.06.05
*جريدة الشروق اليومي. عبد الناصر
أسدلت سهرة أمس مع آخر مباراة تحضيرية للمنتخب الوطني آخر محطات الاستعداد للموعد العالمي، حيث يكرم المرء أو يهان، ولأننا نرفض "أو وما يتبعها" تبقى الأيام التي تفصلنا عن الثالث عشر من جوان الأصعب بالنسبة للجمهور الجزائري الذي لعب بعضه المنافسة وأنهاها قبل صافرة البداية.كم صرفت الدولة على المنتخب الوطني لكرة القدم؟ وكم صرف المواطنون من أعصابهم ومن وقتهم ومن مالهم لأجل متابعة كل خطوة وكل همسة من لاعبين جزائريين وظيفتهم أن يلعبوا بالكرة وليس بمشاعر الملايين؟.. معظم الجزائريين يرفضون طرح هذا السؤال أصلا، فما بالك التفكير في الإجابة عنه، وهم مقتنعون بأن أموال الدنيا تهون من أجل أن يبتسم الجزائري ويشعر بالفخر والسعادة بأي انتصار كان.. فالطائرات الخاصة والفنادق غير المصنفة والعلاوات المنتفخة وسيارات المرسيدس والهامر التي نقلتهم إلى مراكز التدريب وطائرات الهليكوبتر التي طارت بهم إلى إرلندا، والجمهور الذي حج سهرة أمس إلى نورمبرغ لا تبدو أكثر من وسائل عمل راقية جدا من أجل أن يؤدي هؤلاء اللاعبين وظيفتهم على أكمل وجه خلال أيام معدودات من شهر جوان الحالي.. وحتى لو جاءت الصورة عكس ما يتمناه الناس - لا قدّر الله - فلا أحد سيسأل عن الأموال التي صرفت في مهمة هي بالتأكيد وطنية في الأساس.. لكن دعونا نتمنى توفير كل الإمكانات، ولن نقول الأبهة على مختلف الرياضات وفي مختلف المجالات من علوم وتكنولوجيا، فكلنا نعلم أن ما صرفته الجزائر على أبنائها من لاعبي المنتخب الوطني خلال أيام معدودات أضعاف ما تصرفه على البحث العلمي خلال سنوات عديدة، وكلنا نعلم أن ما أغدقه الشعب الجزائري على لاعبي المنتخب الوطني من حب واحترام لم يتمتع به علماء الجزائر وعباقرتها من الذين قضوا نحبهم ومن الذين ينتظرون.المشكلة هي بالتأكيد ليس في كون نجوم الكرة أخذوا أكثر من حقهم، فكل دول العالم بما فيها المعدمة ماديا تمنح لأبنائها من الرياضيين ما يمكّنهم من تمثيلها وإعلاء صوتها ورايتها، فدولة إثيوبيا التي هي أحد رموز المجاعة في العالم صرفت على رياضيي ألعاب القوى في خمس سنوات أزيد من نصف مليار دولار، في الوقت الذي يموت فيه الكثير من مواطنيها ألما وجوعا، وأندية إسبانيا تصرف في جلب نجوم الكرة أكثر مما يصرفه هذا البلد في تأمين الغذاء لأربعين مليون إسباني، لكن المشكلة أننا لا نعطي لعباقرتنا ولو جزءا مئويا مجهريا مما نقدمه للاعبي الكرة، وتستوي هنا في سياسة الإهمال، القمة التي بيدها خزائن البلاد والقاعدة التي لا تأبه بخطورة مثل هاته الممارسات.تصوروا معنا اهتماما مماثلا بعالم ذرة أو فلك أو طب جزائري وعددهم بالمئات في كل بلدان العالم.. تصوروا طائرة خاصة تنقله ليقدم لطلبة جامعة الجزائر محاضرة.. تصوروا اهتمام الطلبة بقدوم هذا العالم، كما يهتمون بمباريات الكرة.. تصوروا تدافع الإعلام لأجل محاورته وتقديم آخر ابتكاراته.. وتصوروا استقباله من كبار المسؤولين في البلد وتوفير ظروف عودته إلى أرض الوطن، كما توفرت للحارس "مبولحي" أو اللاعب "بلعيد".. أكيد أن أشياء كثيرة ستتغير في بلدنا الذي حباه الله من كل الخيرات ومازال يعجز عن استغلالها وأهم هذه الخيرات طبيعة الإنسان الجزائري المتفوق كلما توفرت له ظروف النجاح.إجتمع سهرة أمس في مدرجات ملعب "فورت" في نورمبورغ الطبيب والحراڤ والإسلامي ومزدوج الجنسية فتفرقت مشاربهم، ولكنهم التقوا ربما لأول مرة من أجل الجزائر، وذاك سحر الكرة الذي نتمنى أن ينتقل لبقية المجالات أو على الأقل يتواصل خلال شهر جوان وما بعده.. لم يعد يفصلنا عن موعد كأس العالم إلا بضعة أيام وخلال المنافسة سنعرف إن كان ما صرفته الدولة على الأقدام قد منحنا ما نحلم به جميعا من سعادة للعباد وتشريف للبلاد، بينما يفصلنا عن موعد التقدم والرقي إلى مصاف الدول التكنولوجية والصناعية العظمى مئات السنين.. فهلا بدأنا من الآن عملية الصرف ولو المعنوي على العقول؟
