من عيسات إيدير إلى سيدي السعيد..
من نقابة ثورية إلى نقابة لا ترى الجدوى من الإضراب
يستعد المواطن الجزائري لمتابعة مسيرة أكبر شخصية نقابية في الجزائر، الشهيد عيسات إيدير، من خلال مسلسل يبحثه التلفزيون خلال شهر رمضان المقبل. شخصية عيسات كغيره من الشهداء، رمز للتضحية ولم يؤسس أول نقابة عمالية في الجزائر من أجل مسايرة السياسات الاستعمارية في عهده.
وهذا لا يعني أن سيدي السعيد اليوم مطالب بالصعود إلى الجبل، لكن لا يحق له جعل الاتحاد أداة من أدوات الحكومة التي تملك أدوات كثيرة وصلاحيات واسعة في الدستور. أما النقابة فوجدت أصلا لإسماع صوت العمال الذين تطبق عليهم القوانين. وإن كان الاتحاد العام قد تخلى عن مهمة الدفاع عن العمال منذ الاستقلال تقريبا، فمصداقيته خلال الستينيات والسبعينيات كانت محفوظة إلى درجة كبيرة بفضل السياسة الاشتراكية والمكاسب العمالية التي تحققت آنذاك كعدم جواز طرد العامل ومجانية العلاج والتعليم والسكن المضمون للجميع.
وفي الثمانينيات، برزت ظاهرة جديدة كانت تتصدر حديث العام والخاص في الجزائر، تتمثل في الرشوة والفساد. وكان من الطبيعي أن نجد نقابيين في القوائم الأولى لهذه الظاهرة. لكن ذلك لم يمنع فيدراليات قطاعية واتحادات محلية من البروز كقوى نقابية يعجز أي وزير أو حكومة على ترويضها، كنقابة الدواكرة والرويبة والمحروقات.إذ يمكن القفز على الاتحاد العام عند الحديث عن انتفاضة أكتوبر 88، حيث كانت المنطقة الصناعية للرويبة النقطة المركزية التي انطلقت منها وبالذات الشركة الوطنية للسيارات الصناعية.
أما في مرحلة التسعينيات، فلا يمكن أن نحكم على الاتحاد العام للعمال الجزائريين بأنه انحرف عن مهامه النقابية أو تمسك بها، بالنظر إلى الأزمة المتشعبة التي واجهتها البلاد وانعكاساتها على العمال المهددين في حياتهم قبل أي شيء آخر. من السهل اعتبار الراحل عبد الحق بن حمودة قد مارس السياسة أكثر من النقابة، لكن من الصعب إخراج العمال إلى الشارع للمطالبة بتحسين الأجور مثلا في وقت كانت مؤسساتهم تغلق بقرارات حكومية وتدمّر بقنابل إرهابية. ووسط الجدليات الكثيرة التي لم تفك بعد خيوطها، وجد العمال الجزائريون أنفسهم ورقة ضغط أسقطت حكومات وجمدت مشاريع قوانين وأجبرت حكومات أخرى ووزراء على مراجعة مسعى سياسي لا علاقة له بالمشاكل الاجتماعية للعمال ولا بمستقبل مؤسساتهم.
ومهّد أداء الاتحاد العام خلال سنوات التسعين للمرحلة الأكثر رداءة في تاريخ أكبر منظمة عمالية في البلاد. فأصبح سيدي السعيد النقابي الأول في العالم الذي يقول أن الإضراب ليس وسيلة لانتزاع حقوق العمال. ومن مميزات فترة 99 إلى يومنا هذا أنها أحسن فترة في تاريخ الجزائر من حيث الرخاء المالي، لكنها في نفس الوقت أفقر مراحل الجزائر المستقلة من حيث عدد القوانين الاجتماعية أو القرارات المفيدة للعمال.
ولم يتمكن سيدي السعيد من تحريك أي ملف من الملفات الاجتماعية العالقة طيلة هذه الفترة، مما يجعل مقولته أن الإضراب لا يحقق المطالب مقولة مشكوك فيها. وما زاد من إضعاف المركزية النقابية هو جمع أغلب أعضائها القياديين بين مسؤوليتين. الأولى في النقابة والثانية في هياكل أحزاب الحكومة، زيادة إلى منصب ثالث في المجالس المنتخبة محليا أو وطنيا.
منقول
